بقلم أ . مرجريت إقلاديوس: فانوس رمضان


فانوس رمضان :

بقلم أ / مرجريت إقلاديوس 

عضو بالصحافة الأمريكية( USPA )

‏margaretikladious@yahoo.com

يعتبر فانوس رمضان من أهم وأشهر رموز شهر رمضان وهو جزء لا يتجزأ من زينة ومظاهر الإحتفال بقدوم الشهر المبارك..

و عرف الفانوس بإختلاف أشكاله في مصر اولاً ثم أنتشر بعدها إلي باقي الأقطار والبلاد الأخري ..

و فيما يلي سوف نقوم بعرض أصل وحكايات فانوس رمضان على مر العصور منذ قدم التاريخ حتي التمسك به كعادة تراثيه مرتبطة بشهر رمضان ..

إلا أنّ ثمة قصّص و حكايات لفانوس رمضان تضرب بجذورها في عمق التاريخ الصحيحو الموثق الي ما ابعد ما هو متعارف علية  و تعددت الحكايات والرويات مع اختلاف المصادر حيث أن البعض الاخر هو منقول عبر التوارث الزمني  ..

و عموماً فأنني  حرصت كل الحرص علي سرد كل تلك الحكايات لكم ..!!

كلمة فانوس  في الأصل هى كلمة قبطية مشتقة من اللغه اليونانية القديمة φανός وتنطق فانوس.. 

ومعناها الفانوس أو الكشاف المضىء بالشموع..

وأول من أستخدمه تاريخيًا  في مصر هم الأقباط أثناء الرهبنة وفى الأديرة قديماً ..

وبعدها أنتقل استخدامة إلى إحتفالات الأقباط الشعبية حيث كانوا يعلقونه على بوابات البيوت فى الأعياد خاصة عيدي الميلاد و الغطاس المجيد وكانوا احياناً يخرجون به للمشي حول نهر النيل أثناء ممارسة شعائر و طقوس بعض الاعياد الخاصة بهم ..!!

و هنا نتوقف عند المقريزي  حيث يقول في كتابة  "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار" :

 "وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وكان موسما جليلاً ، تباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري منهم لأولاده وأهله. وكانوا يسمونها الفوانيس ويعلقونها في الأسواق والحوانيت، ويتنافس الناس في المغالاة في أسعارها"..!!!

و كان ذلك أثناء العصر الفاطمى الذي منح الأقباط حرية كبيرة فى الاحتفال بالأعياد بعد فترة من الضغوط عليهم في ممارسة الشعائر الخاصة بهم ..

وتسرب هذا الطقس تدريجياً إلى الثقافة الإسلامية و في وقتٍ لاحق لم يُحدد على وجه الدقة متي عجبت الفكرة  الفاطميين ؟

و لكن في النهايه أمر الخليفة الفاطمي بتعميم إستخدام فكرة الفانوس لإضاءة الشوارع ومداخل البيوت للأحتفال بشهر رمضان المبارك ولتمييزه عن بقية الشهور  ..

وربما يكون ازدهر كطقس احتفالي في القرن التاسع عشر حتى بات الأحتفال بالفانوس طقساً رمضانياً أساسياً كما نعرفه اليوم..!!

 خاصة ً أنة قد ذُكر عن الخليفة الفاطمي العاضد لدين انه كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع  رؤية هلال شهر رمضان ..

و كان إستطلاع الهلال من فوق مئذنة جامع بدر الجمالى وظهر ما يعرف بموكب أول رمضان أو «موكب رؤية الهلال» ..

و كانت عائلات القاهرة الفاطمية قد إعتادت مرافقة الخليفة الفاطمي في رحلته حيث الاستطلاعات و الرؤية هناك وكان الأطفال يخرجون معهم ليضيئوا لهم الطريق  ..

و يحكي انه كان كل طفل يحمل فانوسه المصنوع من الشموع المثبت علي  قواعد خشبية والتي تم تغطيتها  بالجلود  حتي لا تنطفئ سريعاً ويقوم الأطفال معاً بغناء بعض الأغاني الجميلة تعبيراً عن سعادتهم  بانتظار و باستقبال شهر رمضان ويؤرجحون الفوانيس في فرحة عارمة ..

غير أن ضعف مصداقية هذه الرواية يرجع إلى أن ما نعرفه هو أن استطلاع الهلال لم يكنعملاً فردياً  في ذلك الزمن ..!!!

بل كان يكلف بة كبير القضاة ومعه بعض العلماء لإثبات الرؤية وإعلام الناس ..

و حيث كانت تعد لهم «دكة» على سفح جبل المقطم عرفت بـ «دكة القضاة» و كان يخرج إليها لاستطلاع الأهله .. 

وقد أصدر أيضاً أمراً يلزم كل ساكن أن يعلق فانوساً مضاء فوق بيته منذ ساعة الغروبإلى حين بزوغ الشمس طوال شهر رمضان ..!!


كما أمر بتعليق الفوانيس على مداخل الحارات وأبواب المنازل وفرض غرامات على من يخالف ذلك ..

وهو ما أدى إلى تطور أشكال الفوانيس واختلاف أحجامها طبقا لاستخداماتها المختلفة ..ثم أستخدمت فوانيس صغيرة الحجم لإضاءة الطريق كما صُنعت فوانيس أصغر من أجل الأطفال الذين يشاركون فى السهر حتى الفجر فى ليالى رمضان و كان هناك فوانيس خشبيه كبيرة للانارة بخلاف المعدنيه و الزجاجيه ..!!!

 و هنا نتوقف عند سرد إحدي الحكايات التي تحكي و تقول ان حين وصل المُعزّ لدين الله إلى القاهرة ليتخذها عاصمة لدولته خرج أهلها لاستقباله  ..

و كان  قادمًا  وقتها مع أسرته من ناحية الغرب و تقريباً من المغرب العربي  وكان ذلك تقريباً في رمضان عام ٣٥٨ هجرية / ٩٧٢ميلادية .. 

و حيث أمر القائد العسكري جوهر الصقلي في ذلك الوقت سكان المدينة بإضاءة الطريق بالشموع فوضع سكان القاهرة الشموع على قواعد خشبية وغطوها بالجلود لتجنب انطفائها من شدة الهواة الرياح ثم خرج المصريون في موكب كبير جدًا و أشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعزلدين الله الفاطمي الذي وصل ليلًا.. 

وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة و المزخرفه وذلك لإضاءة الطريق إليه..

و هتفوا له هتافات الترحيب ومن يومها صارت الفوانيس من مظاهر الاحتفالات و عادات الفرحة باستقبال الخلفاء والأمراء في دخولهم البلاد ..

وعلى إثر ذلك ظهرت طائفة من الحرفيين تقوم على صناعة الفوانيس وزخرفتها في العصرالفاطمي بل ان الخليفة قام بجمع ٥٠٠ حرفي في أحياء القاهرة الفاطمية قبل شهر رمضان لصنع الفوانيس  و زخرفتها ..!!

و حكي عن  الخليفة  الفاطمي كذلك انه عندما أراد أن يجعل كل  شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان مضيئة  فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس علي ابواب الجوامع والمساجد يتم إضاءتها عن طريق شموع توضع بداخلها..

بل أن حكايات الفانوس في رمضان لم تنتهي بعد فهناك حكايه متوارثه عنه وأحداثها تدور في القرن العاشر الميلادي ..

حيث حرم الحاكم  بأمر الله خروج النساء من منازلهن طوال العام باستثناء شهر رمضان  من اجل وصل الزيارات والذهاب للمساجد بغرض الصلاة 

فكان يسبقهن فتي اوغلام يحمل فانوساً  أمامهن لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق حتى يلاحظ المارةوجودهن في الطريق فيفسحوا لهن المجال للمرور و يغضوا ابصارهم عنهن ومضايقتهن ..!!

و بهذا الشكل كانت النساء تستمتعن بالخروج وفي نفس الوقت لا يتعرضن للمضايقات من الغرباء ويتاح لهم افساح الطريق و المشي بكل  راحة و دون اي  مضايقات او اذي ..

و مع الوقت و بعد  أن أصبح للسيدات حرية الخروج في أي وقت ظل الناس متمسكين بتقليد الفانوس ذلك في ليالي رمضان وخاصة الاطفال الذين كانوا يطوفون به ليلاً ويغنون  فرحين بليالي رمضان مع جمع الحلوي من الجيران وتوارثت منهم بعض من الاهازيج  و الاغاني مثل حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو  .واغنيه وحوي يا وحوي أيوحا..!!

و كذلك  اصبح الفانوس معلماً واضحاً من معالم الشهر الكريم عندما كان يستخدمة المسحراتى الذى كان يسير فى الشوارع ليوقظ الناس لتناول سحورهم   ..

وأن ذلك المسحراتى كان يسير فى الشوارع مصطحباً معه أبنه  او احد افراد اسرتة لمرافقته ليلاً و الذي كان يحمل فانوساً للإنارة حيث لم تكن كل الشوارع  وقتها مضاءة بالقناديل..

ثم بدأ الفاطميين بعد ذلك  في التوسع في إستخدم الفانوس  فأصدر الخليفة الحاكم بأمرالله أمراً بتركيب فوانيس في كل زقاق وأمام كل منزل ..

بل انها وصلت حد تغريم كل من يعصي الأمر لذلك ازدهرت صناعة الفوانيس في القاهرة بشكل ملحوظ..

و اصبحت  تستخدم في الإضاءة ليلاً و فجراً للذهاب إلى المساجد ليضئ لهم الطرقات ويأمنهم من شر الطريق ليلاً أو فجراً ..

و هناك روايه اخري تحكي أمراً غريباً عن الفانوس و هي أن أحد المؤلفين ويدعى الفيروز أبادي وهو مؤلف القاموس المحيط إلى أن أصل معنى كلمة فانوس هو (النمام) حيث ان أصل الكلمة يأتي بمعني (الصوت الخفيّ من حركة الريح ؛ الصوت الخفيّ من حركة شيء؛ صوت الوتر )

و المراد من الاسم هنا لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام  بحركات خفية و كان يستخدم النمامفي التلصص  بتلك الحركات ليلاً علي أمور الاخرين و معرفه ما يدور في الظلام  دون أن يشعر بحركته أحد ..!!

ومن وقتها أرتبط الفانوس بشهر رمضان وبالاحتفال بيه و تعددت اشكاله و الوانة واحجامة..!!

واشتهرت بصناعه الفوانيس منذ قديم الزمان  منطقة "تحت الربع" بالازهر  في قلب القاهرة  الفاطمية منذ اكثر  من ١٠٠٠ سنة مضي و حتي الان ..!!

و كذلك منطقة بركة الفيل بالسيدة زينب من أهم المناطق و اكبرها و التي تخصصت في صناعة الفوانيس..!!

ويشعر زائري هذه المناطق أنهم إنتقلوا بالزمن إلى العصر الفاطمي القديم خاصة في المساء عندما تضاء الفوانيس بإضاءات ملونة تشبه النجوم في ظلام السماء و تأخذك الي رحلة عمرها اكثر من الف عام ..!!

و عموماً فأن صناعة الفوانيس صناعة ليست موسمية و تقتصر علي وقت محدد بذاتهولكنها صناعه مزدهرة و مستمرة طوال العام حيث يتفنن صناعها في ابتكار أشكال ونماذج مختلفة  يتم تخزينها ليتم عرضها للبيع في رمضان الذي يعد موسم رواج هذه الصناعة..

 وأشتهرت صناعته هناك ثم تطورت وأصبحت فناً حرفيًا حيث  كان له شكل المصباح في بداية الأمر من النحاس  وكانت تتم إنارته بالشموع ..

ثم بعد أن كان الفانوس عبارة عن علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة تم تركيب الزجاج مع الصفيح مع عمل بعض الفتحات التي تجعل الشمعة تستمر في الاشتعال. .!!

ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال..

وكان ذلك يتم يدوياً وتستخدم فيه المخلفات الزجاجية والمعدنية وكان الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة ويستغرق وقتا ً طويلاً ثم بدأ يتطور حتى أخذ الشكل التقليدي المعروف لنا جميعاً .. 

وأصبح بعدها الفانوس يصنع من الصفيح الرخيص و يزين بالنقوش والزخارف اليدوية وصنع  الزجاج الملون بعدما كان مع قاعدة خشبية توضع فيها الشمعة و حواف جلديه لمنع انطفاء الشموع بداخل الفانوس بسبب الهواء..

مع الوقت تطور شكل الفانوس واستخدم الزجاج المصقول مع فتحات مختلفة تغير شكلالإضاءة وتغيرت بعد ذلك أحجام الفوانيس وأصبحت تضاء بالفتيل والزيت بدلاً من الشموع ثم بعد ذلك استخدمت لمبات بدائيه توضع بداخله ..!!

وبعد ذلك أصبح الفانوس يأخذ أشكالاً تحاكي مجريات الأحداث والشخصيات المختلفة المشهورة في الوقت الحاضر..

وأصبح شيئاً لا غنى عنه فى رمضان وأصبحت العادة كل عام أن تكسوا الفوانيس بجميع أنواعها وأشكالها شوارع القاهرة ..

وحرصت الأسر المصرية على مدى سنوات طويلة أن تحتفظ به فى منازلها احتفالاً بقدوم شهر رمضان 

و لكن مع الزمن هناك تطورات كثيرة طرأت على شكل الفانوس ..

وكانت الفوانيس تُسمى مع العصر فهناك فانوس سُمي بفانوس الأمير فاروق  او فانوسفاروق الكبير نسبة للملك فاروق احتفالاً بيوم ميلاده والذي كان قد صمم خصيصاً لاحتفال القصر الملكي بيوم ميلاده، وتم شراء ما يزيد على 500 فانوس من هذا النوع يومها لتزيين القصر الملكي..!!

وفانوس البرلمان الذي سمى نسبة إلى فانوس مشابه كان معلقاً في قاعة البرلمان المصريفي الثلاثينيات من القرن الماضي ..

أيضاَ فانوس سُمي بالملك عبد العزيز نسبة لمؤسس المملكة العربية السعودية ومواقفه مع مصر"

وعن اسم الفانوس المصرى الأصيل وأطلق عليه اسم فانوس (النجمة) وهو فانوس عمرهأكثر من 100 عام ولا أحد يستطيع صناعته إلا من كان يعمل في ورشة منطقة (بركة الفيل) بحي السيدة زينب"..!!!!!

وهناك الكثير من الأسماء التى اقترنت بالفانوس عبر التاريخ مثل "الفانوس أبو حشوة" أو "الفانوس أبو شرف" و"الفانوس أبو العيال" و "الفانوس المخمس " و "الفانوس النجمة "و "الفانوس أبو لوز " و "فانوس تاج الملك" و "فانوس عروسة البحر " و"فانوس  المسدس " و "الفانوس الصاروخ "و "الفانوس   أبو دلاية "و " الفانوس البرج " و "الفانوس اللوتس الصغير " و " فانوس  البرميل " و "فانوس شق البطيخة و الشمامة"و "فانوس عفركوش"  على أسم شخصية العفريت الذى ظهر بفانوس بفيلم "الفانوس السحرى" وغيرها من الأسماء التي عرفت ان الفوانيس ..

 وتعود أصل هذه المسميات إلى أن الحرفيين الذين كانوا يقومون بتصميم هذه الفوانيس كانوا يحرصون على كتابة أسمائهم عليها لمعرفة من هو الورشجي صاحب التصميم والصنع لهذا الشكل من الفوانيس فاشتهرت بهذه المسميات لفترة زمنية طويلة ثم اختفت مع الوقت هذه المسميات وأصبح فقط يطلق عليه مصطلح "الفانوس" فقط. .!!

 وأصبح  مع الزمان طقساً رمضانياً خالصاً في عصرنا الحديث  و متوارثاً من جيل اليجيل و حتى بعدما ظهر الفانوس الكهربائى الذي يعتمد في إضائته على البطارية واللمبة بدلاً من الشمعة..

و أصبح  أساس في كل مكان سواء بيوت او مقاهي او شوارع او حتي في السيارات خاصةً بعد أن أنتشرت صناعته ووصلت إلى الصين و تفننوا في أشكالة و أحجامة التيوصلت الي حد حجم ميداليه المفاتيح والتي باتت تهددت صناعه الفانوس اليدوي ..!!

حقيقةً أن الوضع قد تحسن نسبياً في السنوات الأخيرة  حيث بدأت صناعة الفوانيس تتعافي بعض الشئ حيث بدأ الإقبال من جديد على الفانوس المصنوع من النحاسوالصاج خاصة أنه أفضل في الشكل واللون ومن الممكن وضع شمعة فيه أو لمبة كهرباء  بحسب طلبك  و رغبتك و بحيث بات الكثيرين يبحثون عن الفانوس الصفيح بشكله الكلاسيكى و الذي يحتل مكانة خاصة فى قلوب الملايين من المصريين فهو  يذكرهم بالماضي الجميل وعبق التاريخ  و حُسن الذكريات المعلقه بأذهانهم ..!!

ولكن مع الزمان نسي ان أصله كان  فكرة واختراع الأقباط في مصر منذ قديم الزمان ..

و ظلت عادة استخدام الفانوس متوارثة في مصر حتي بعد استخدام الكهرباء و لكن فيالقري و الاحياء الفقيرة ثم اصبح رمزاً خاصاً بشهر رمضان ..

انتظروني في حكايات و حواديت رمضانية جديدة ..


0/Post a Comment/Comments

أحدث أقدم